الأحد، 10 مايو 2015

دموع الحارة ...رفاهية


تبدو الدموع شكلا من أشكال الرفاهية التى لا ينعم  بها الفقراء فى بلادنا وهى ملاحظة من الواقع فكثيرا ما  نرى طفل  فقير يضربه صاحب العمل دون رحمة والطفل لا يبكى ، وكم مرة شاهدنا فقراء بملابس خفيفة وأقدام عارية يتحملون وخز البرد  ولا تبدو عليهم آثار  المعاناة  ، يمشون طرقا طويلة ويركبون مواصلات متعبة  بينما نرغب نحن فى  الصعود بالسيارة حتى  باب البيت ونتحدث عن  معاناتنا فى  البحث عن أقرب مكان لانتظار السيارة ، اذا تحدثت معهم لمست نبرة المرارة والأسى ولكنه الصبر والجلد والقوة التى تساعدهم على البقاء ،ربما تسيل دموعنا تأثرا لحالهم  ونتعاطف معهم ولكننا نعرف  أننا لا نستطيع أن نعيش مثلهم ، وأن قصصا مثل تلك الأميرة التى تحولت الى خادمة وتعيش فى الغابة لأنها أحبت شابا فقيرا ضرب من الخيال .
عند متابعة فيلم " يوم مر ويوم حلو "أبكى كثيرا ولا تتوقف دموعى بنهاية الفيلم بل يتركنى الفيلم فى حالة مزاجية حزينة و أتعجب أن تمر البطلة الرائعة "فاتن حمامة " ساكنة الحارة المصرية الفقيرة بكل هذه المآسى فتقابل هذه الأمور وكأنها الحياة التى تسير على قضبان دون انحراف أو توقف، أصرار أن المر سوف يرحل حتى لو كانت الحلول المطروحة تخلو من السكر .
أثناء متابعة الفيلم تذكرت فعالية الجامعة الأمريكية مؤخرا عن الحارة المصرية والنموذج المحاكى لها الذى قام الطلاب بتنفيذه ولكن داخل الجامعة ،  صورة  الحارة المصرية   كما تترأى لخيالهم  " فرقة حسب الله ،الأراجوز، رقصة التنورة ، بائع الحمص والترمس ، بائع البطاطا ، القهوة البلدى ، حلاق وميكانيكى ولكن بدون " بلية " الذى يضربه الأسطى ويعاقبه بسبب وبدون  ، ولم ينسوا ايضا وجود ميكروباص بجوار الحارة امعانا فى نقل الصورة كاملة " .
الدخول الى حارة  الجامعة الأمريكية يكلف الشخص  150 جنيه  ويوفر على الطلاب الذهاب الى أى حارة واقعية - على مايبدو أنها رغبة ملحة لدى بعضهم - وهو أمر غير آمن بالنسبة لهم ، فى لقاء تليفزيونى أبدى الطلاب سعادتهم بالفكرة وتفاعلوا معها وعبروا عنها باللغة الانجليزية التى تطغى على لغتهم العربية  ، وربما هذا ما أثار استياء البعض على مواقع التواصل وأعتبروا أن مثل هذا " الايفنت " نوع من التعالى والعنصرية تجاه هذه المناطق التى تشكل عصب مصر الحقيقية.
بعيدا عن النقد والمبالغة فى وصف الحدث بأنه اهانة للمجتمع المصرى  لابد أن نعترف أن مصر تنقسم الى  طبقات تأخذ الشكل  الهرمى ، قاعدته هى سكان العشوائيات والمقابر يليها قاعدة سكان الحوارى والمناطق الشعبية ، كل طبقة تعيش فى عالم له ملامح وسمات مختلفة وبين كل طبقة والأخرى جدار عازل لا أحد يستطيع تخطيه ، وفى وقتنا الحالى يمكن أن تسحب الطبقات فى قاعده الهرم بعضا من أفراد الشعب لكن من الصعب الصعود الى الأعلى أو الانضمام الى طبقات الكريمة العليا .
فى الفيلم مشاهد حقيقية للحارة المصرية حيث الشباك فى مستوى  أرض الشارع ويمكن استعماله  بديلا عن الباب ، و  التلاصق  الغريب بين البيوت مما يمنع الخصوصية و يمكن للجيران أن يصافح كل منهم الآخر عبر الشرفات المتهالكة الضيقة التى يزينها البصل والثوم،
هناك المجارى الطافحة والقمامة التى تتوارى عن أعين المسؤولين فلا يهتم أحدهم برفعها من الشوارع الضيقة ، هناك قائمة  المشاكل التى تثقل كاهل الفقراء من عدم القدرة على مواصلة التعليم وزواج البنات وتحمل نفقات العلاج والبطالة ومحاولات ميؤوس منها للبحث عن سكن أفضل ..
ويبقى فى النهاية سؤال ماذا يحدث لو فكر طلاب الجامعة الأمريكية فى استضافة عدد من أهالى هذه الحوارى لقضاء وقت فى مجتمع مختلف مثلهم أو تخصيص دخل هذه الفعالية لتحسين أى خدمة لاهالى الحوارى فى الواقع ومحاولة سد الفجوات بين الطبقات ؟ هل يمكن ؟